إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة logo تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
shape
من كتاب المواهب الجلية في المسائل الفقهية للشيخ عبد الرحمن السعدي
16594 مشاهدة print word pdf
line-top
حكم تعدد الجمعة في البلد الواحدة

وأما مسألة تعدد الجمعة في البلد من غير حاجة، فهذا أمر متعلق بولاة الأمر، فعلى ولاة الأمر أن يقتصروا على ما تحصل به الإفادة، وإن أخلُّوا بهذا فالتبعة عليهم، وأما المصلون فإن صلاتهم صحيحة في أي جمعة كانت، سواء كان التعدد بعذر أو لغير عذر، وسواء وقعتا معًا أو جهل ذلك أو صلى مع .. جمعة متأخرة؛ فلا إثم عليهم ولا حرج ولا إعادة، ومن قال: بأنه يعيد في مثل ذلك فقد قال قولا لا دليل عليه، وأوجب ما لم يوجبه الله ولا رسوله، وأي ذنب للمصلي؟ وقد فعل ما يلزمه وهو يقدر عليه، وهذا القول الذي يؤمر به مثل هذا قول مخالف للأصول الشرعية من كل وجه وذلك بين ولله الحمد.


ذكرنا في أول الكلام أن العهد النبوي، وعهد الخلفاء الراشدين، وإلى عهد قريب ما كان في المدينة إلا جمعة واحدة في المسجد النبوي وأن الرخصة جاءت في العهد المتأخر لما توسعت البلد، وعذرهم كثرة الخلق بحيث تضيق بهم المساجد؛ وذلك لأن البلاد إذا اتسعت وكثر المواطنون؛ شق عليهم أن يصلوا في الشمس، أو في الأرصفة، أو في الرمضاء ونحو ذلك؛ فلأجل ذلك يرخص في تعدد الجمعة لأجل الحاجة.
فيقول المؤلف هنا: تعدد الجمعة في البلد الواحد لغير لحاجة يرجع لولاة الأمر إنما يُرخِّص فيه ولاة الأمر، ولهم أن يُوكلوا غيره؛ والي الأمر الذي هو الملك مثلا أو الأمراء ونحوهم قد يكونون منشغلين عن هذا، ولكن إذا وكلوا هناك من ينظر في الأمر؛ فلهم هذه الرخصة أنهم يعددون الجوامع بحسب الحاجة، على ولاة الأمر أن يقتصروا على ما تحصل به الكفاية.
كانوا يوجد قديما بلاد فيها خلق كثير، ولكن يجعلون المسجد الجامع واحد ويوسعونه حتى قد يكون مثلا مساحته مثلا خمسمائة في خمسمائة؛ يعني طوله خمسمائة متر، وعرضه نصف كيلو؛ فهذا لأجل ألا تتعدد الجمعة، يوجد ذلك في كثير من المدن الكبيرة في مصر مثلا وفي المسجد الجامع الأموي في دمشق وفي غيره.
وحتى في البلاد البعيدة، لما فتح المسلمون بلاد الأندلس كانوا إذا أسسوا جامعا وسعوه حتى قد يتسع لمائة ألف أو خمسمائة ألف مصل يتسع لهم، ويعملون هناك يعني أعمالا تجعل الجميع يستفيدون، كما ذُكر أن في مساجد الأندلس مساجد موجودة إلى الآن في أسبانيا وأنهم يجعلون قرب محل الخطيب مواسير تأخذ الصوت، وترسله إلى البعيدين إلى خمسمائة متر أو نحو ذلك؛ فيستفيدون كلهم من الخطبة.
ويكون في المدينة التي طولها مثلا عشرون كيلو في عشرين ليس فيها إلا جامع واحد يتسع لهم. كل ذلك حرصا على أنهم يجتمعون؛ لأنا ذكرنا أن الحكمة من صلاة الجمعة حصول الاجتماع والتلاقي والتعارف والتآلف، وكذلك أيضا المواعظ وكون الموعظة واحدة يستفيدونها جميعا، وإذا رجعوا أخذوا يتذاكرونها كل منهم يقول: ما معنى كذا استفدنا كذا وكذا، فائدة موحدة تعم جميع أهل البلد، فإذا احتيج إلى تعدد الجوامع جاز ذلك بقدر الحاجة.
على ولاة الأمر أن يقتصروا على ما تحصل به الكفاية، وإذا أخلّوا بها فالتبعة عليهم يعني: إذا عددوا مثلا فالتبعة عليهم. الفقهاء -رحمهم الله- يرون أنها لا تصح الصلاة في المساجد المتعددة، وإنما تكون في المسجد القديم المسجد الأول، ويرى ذلك كثير من مشائخنا.
فمثلا الشيخ عبد الله بن حميد -رحمه الله- توفي سنة أربعمائة واثنين كان لا يصلي في الرياض إلا في المسجد الجامع الكبير، إذا جاء للصلاة يتجاوز خمسة جوامع يمر بها أو أكثر حتى يأتي إلى المسجد الجامع الكبير ويقول: إنه هو الأصل، وإنه هو الموجود عندما أسست البلد، عندما كان البلد صغيرا ما كان فيها إلا هذا المسجد؛ فلأجل ذلك لا يصلي إلا فيه؛ مخافةَ أن تكون الصلاة في غيره باطلة، مع أن المسجد في ذلك الوقت كان يمتلي، والمساجد الأخرى أيضا كانت تمتلي؛ وذلك لكثرة الناس، ولكن حِرصًا على أن تكون الصلاة تامة صحيحة، وتمشِّيًا على قول الفقهاء أن الجمعة الثانية باطلة.
ولكن يقول المؤلف هنا: المصلون صلاتهم صحيحة، في أي جمعة كانت؛ إذا أُقيمت الصلاة في البلد في عشرة جوامع، أو في عشرين، أو أكثر أو أقل، فالمصلون صلاتهم مجزئة؛ لأنه تمت الشروط: جمع كثير، ومسجد واسع، وخطبة، وصلاة بما تحصل به الصلاة. فالمصلون عذرهم واسع.
يقول: صلاتهم صحيحة في أي مكان، في أي مسجد صلوا، سواء كان التعدد لعذر أو لغير عذر، وسواء وقعتا معًا أو جهلت المتقدمة، وسواء كان إحداهما متقدمة، يعني مسجد يجمع فيه قبل الآخر بمائة سنة أو بعشر سنين أو نحو ذلك.
ولكن نقول: إن التعدد الكثير غير جائز سيَّما إذا تقاربت. هناك قرى وبلاد؛ البلدة يمكن مسافتها ثلاث كيلو أو كيلوين طولها، قد يكون عرضها كيلو أو أقل يوجد فيها خمسة مساجد جوامع أو ستة أو نحو ذلك، المسجد الجامع ما يكون فيه إلا ربع المسجد، أو ثلاثة صفوف، أو نحوها، والمسجد يسمع المسجد، والمسجد يرى المسجد بينهما مثلا نصف كيلو، أو بينهما أربعمائة متر، وهؤلاء يسمعون خطبة الثاني. لا شك أن هذا خطأ.
وكونهم يعتذرون بالبعد هذا ليس بصحيح، إذا كان الأولون كما سمعنا يأتون من مسيرة ساعتين على أقدامهم، فهؤلاء لو مشى أحدهم عشر دقائق وصل إلى الجامع على قدميه، فكيف لا يمشي نصف ساعة أو ساعة حتى يحصل له أجر الممشى، ويحصل له القصد الذي شُرعت له الجمعة.
يقول: المصلون صلاتهم صحيحة، ولو ما كان في المسجد إلا صفان أو ثلاثة صفوف، بقية المسجد واسع ليس فيه أحد، سواء كان التعدد لعذر أو لغير عذر، سواء وقعت الجمعتان معًا في لحظة واحدة، أو تقدمت إحداهما على الأخرى، وسواء كان الجامع هذا جديدًا أو قديمًا، وسواء صلى مع الجمعة المتأخرة أو صلى مع المتقدمة؛ لا إثم عليهم ولا حرج ولا إعادة؛ وذلك لأنهم أدوا الصلاة كاملة.
الفقهاء يقولون: يعيدون؛ الذين صلوا الجمعة في مسجد متأخر، أو في مسجد مثلا جديد؛ يعيدونها ظهرا، يقولون: يعيدون في مثل ذلك، وهذا قول لا دليل عليه، قد أوجبوا ما لم يوجبه الله ورسوله، ما ذنب المصلي؟‍ أي ذنب للمصلي وقد فعل ما يلزمه ويقدر عليه؟‍
الحاصل أن هذا القول الذي يُؤمر فيه بالإعادة قول مخالف للأصول الشرعية من كل وجه، وذلك بين، وواقع الناس في هذه البلاد حتى في البلاد الصغيرة أنهم يتفاوتون.
مررنا مرة بقرية من القرى، ووجدنا أهل المسجد الأدنى قد خرجوا قد انتهوا من الخطبتين والصلاة، وذهبنا إلى مسجد آخر بينه وبينه نحو اثنين كيلو، وإذا هم في الخطبة الأولى؛ يعني: قطعنا هذه المسافة في نحو ثلاث دقائق، وإذا الخطيب في أثناء الخطبة الأولى. الأولون قد انتهوا من الخطبتين ومن الصلاة وهؤلاء لا يزالون في الخطبة الأولى، هذا دليل على أنه قد يحصل بينهم تفاوت.
عذر الأول: الخطيب الأول عُوتب على إسراعه، فاعتذر بأن الذين يُصلون معه عُمال وتجار، وأنهم يحبون التخفيف، لأنهم يأتون إليه من بعيد لأجل أنه يُسرع.
والآخر يقول: إنه مسجد جامع قديم، وأنه الذي يتوافد إليه الناس من بعيد، فهو ينتظرهم حتى ربما أن بعضهم لا يأتي إلا في الخطبة الأخيرة، فيتأنَّى ويطيل، وكل هذه نرى أنها أعذار ليست مسوِّغة.

line-bottom